
تخوض محافظة بعلبك ــ الهرمل الانتخابات البلدية في أسبوعها الثالث متخفّفة من 16 بلدية انتهت بالتزكية. صحيح أن الرقم لا يشكّل كتلة وازنة في المحافظة التي تعدّ 84 بلدية، لكن بالمقارنة مع آخر انتخابات جرت عام 2016، فهو يساوي ضعف ما تمّ إنجازه سابقاً، خصوصاً مع توقّع وصول هذا الرقم في هذا الأسبوع إلى ما «بين 25 و30 بلدية»، بحسب مسؤول العمل البلدي في حزب الله في البقاع الشيخ مهدي مصطفى. وهذا دليل عافية، إذ بحسب الأخير، تؤشر هذه النسب وارتفاعها إلى «رضى الناس عن الخيارات». ما دون هذه التزكيات، تتّجه المحافظة، التي تمثّل «الحضن» لثنائي حزب الله وحركة أمل، نحو انتخابات عائلية بالمجمل، وببعض المعارك المطعّمة بالسياسة في عددٍ من البلدات والمدن. غير أن لا مفاجآت منتظرة في ظل الوهن الشديد لمعارضي الثنائي، إن وُجدوا، ما يجعل مجمل عملية الاقتراع تحت سقف المقاومة
لا تحالفات طارئة في محافظة بعلبك – الهرمل، ولا خروج عن العرف القائم منذ عام 2010 بالتحالف الأساسي بين ثنائي حزب الله وحركة أمل.
أما ما يأتي غير ذلك فيكون إما من باب الشراكة والقبول أو على «القطعة»، كما في المناطق المختلطة. وإذا كان هذا التحالف «أساسياً وبديهياً» بحسب مسؤول العمل البلدي في حزب الله في منطقة البقاع الشيخ مهدي مصطفى، فلا شيء يمنع أن تنضم إليه أطراف أخرى للاعتبارات التي تحكم كل قرية أو بلدة على حدة، ولا يوجد فيتو على أحد باستثناء «القوات اللبنانية»، فهذا «تحالف ما بيركب».
تتّجه المحافظة التي تمثّل «الحضن» لثنائي حزب الله وحركة أمل نحو انتخابات عائلية بالمجمل
لذلك، لم تكن التحالفات التي قام بها الثنائي «سلّة واحدة» في كل المناطق، بل صاغها بكثير من التأنّي محتسباً خطواته خطوة خطوة، لأن أيّ زلّة ستظهر نتائجها في «الصندوقة». وبحسب المعنيين من الطرفين، تم العمل على الملف البلدي في محافظة بعلبك – الهرمل بلدةً بلدة، مع الالتزام بإستراتيجية واضحة، تتدرّج من إرساء التزكية بالدرجة الأولى انطلاقاً من الحرص على استقرار الساحة الشيعية، والذهاب نحو خيار التوافق حيث تتضاءل فرص الوصول إلى التزكية.
مع ذلك، لم يسع الطرفان إلى فرض الوفاق بالقوة، فحيث كان يتعذّر الخياران السابقان، كان الباب يُترك مفتوحاً للخيار العائلي. ووقوف الثنائي على الحياد، وهما مكوّنان أساسيّان في المنطقة هناك، ليس ضعفاً أو عجزاً عن الوصول إلى اتّفاق، انطلاقاً من كون هذه المحافظة بالذات تعدّ معقلاً وخزاناً شعبياً لهما، وإنما تأتي سنداً لاعتبارين أساسيين، أولهما أن هذه الانتخابات هي انتخابات محلية عائلية أكثر مما هي معركة سياسية، وثانيهما هي ميزة المنطقة التي تعدّ من الأكثر تماسكاً عشائرياً، ولذلك كان القرار مع انتفاء التوافق، إعطاء حيّز أوسع للعائلات – العشائر كي تصوغ تحالفاتها الخاصة.
ولم ينعكس هذا الخيار قلقاً في القرى البعلبكية على وجه الخصوص، فثمة أريحية في التحرك لاعتبارٍ أساسي، وهو أن المعركة تجري تحت سقف المقاومة، وهي «على الإنماء وليست على خيار المقاومة»، يتابع مصطفى. ومن همّ ضدّ «الثنائي» وحلفائه في الانتخابات البلدية، يأتون من «الخندق نفسه».
غير أن ذلك لا ينفي أن ثمة معارك في بعض البلدات والمدن في المحافظة، خصوصاً تلك المطعّمة طائفياً، أو من خارج الثقل الشيعي، ولعلّ أهم المعارك التي تأخذ حيزاً من النقاش اليوم هناك هي تلك التي يمكن أن تحصل في مدينة بعلبك، بعدما «فرط» التحالف التقليدي بين الثنائي والأحزاب الأخرى، ومن بينها خصوصاً «جمعية المشاريع الخيرية»، وكذلك مع مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي، في ظلّ التدخّل السعودي الذي أربك أي تحالف ممكن مع الثنائي.
رغم ذلك، حاول الثنائي «التواصل مع الأحزاب والفاعليات والعائلات في المدينة، إلا أننا لم نصل إلى التوافق». وقد تظهّر الخلاف في بداية الأمر مع لائحة الثنائي برفض «المشاريع» وجود مرشحها من آل الرفاعي في لائحة واحدة مع مرشح حركة أمل مالك جعفر، بسبب خلافات بين العائلتين، كذلك رفض آخرون هذا التحالف بحجة الاختلاف في وجهات النظر حول مفهوم الإنماء في المدينة.
إلا أن السبب الأساسي المضمر «هو موقف ضمني تقف خلفه السعودية بدأته بإفشال التحالف الذي كان قائماً في المدينة، قبل أن تضغط لعدم ترشح سنّة أقوياء في لائحة الثنائي»، بحسب مصادر مقرّبة من الثنائي. واستمرّ هذا الضغط حتى وصل إلى التحريض في خطب المساجد. ففي إحدى تلك الخطب، وصّف إمام المسجد الثنائي بـ«الحاكم بأمره الذي قسّم العائلة على بعضها والأب ضد ابنه»، مطالباً «من باب النصيحة بأن يأخذ الرجال الرشيدون على يد الحاكم بأمره قبل أن تذهب الأمور إلى ما لا تحمد عقباه».
التأسيس لهذا الخطاب على عتبة الانتخابات، معطوف على الحساسية التي يمكن أن يشكّلها دخول الثنائي «الشيعي» إلى الساحة السنية بطريقة سياسية، دفعا بالأخير إلى التأني في التسميات التي اختار أن تنحو باتّجاه تمثيل العائلات في المدينة، من دون أن يشكّل ذلك استفزازاً داخلها، وكذلك تمثيل الأحزاب التي سرى العرف على تمثيلها دائماً.
وانتهى الأمر بتشكيل لائحتين أساسيتين، الأولى «تنمية ووفاء»، وتضم حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث والعائلات، و«بعلبك مدينتي» التي «لا أطراف سياسية معلنة فيها، وإن كان ثمة حراك رافق تشكيلها من قبل قوى محسوبة على الرئيس فؤاد السنيورة وأشرف ريفي، وفي الخلفية السعودية»، بحسب المصادر.
وإذا كان البعض لا يحبّذ إطلاق تسمية المعركة السياسية على ما سيحدث في مدينة بعلبك، ملطّفاً إياها بوصفها «معركة إنماء مغلّفة بالسياسة»، غير أن تسلّل «السعودي إلى زواريب المدينة» يجعل من المعركة القادمة معركة «ع المنخار»، انطلاقاً من أن بعض الحلفاء السابقين الذين كانوا عرفاً في لائحة الثنائي «قد يذهبون نحو خيار المقاطعة أو شبه المقاطعة أو الانتخاب باتّجاه آخر وإن بشكلٍ غير معلن».
باستثناء ما قد تحمله الانتخابات في مدينة بعلبك، «لا معارك سياسية» في المحافظة، وفي معظم البلدات التي يتوقّع أن تشهد معارك بين اللوائح، ستكون في معظمها بين العائلات. وهذا يدلّل بمعنى آخر أن «لا خصوم»، وإنما «تباين في وجهات النظر بين العائلات»، كما يصف متابعون. وفي هذا السياق، تأتي بلدة مقنة، حيث فشل التوافق على تشكيل لائحة واحدة «بسبب تباين في وجهات النظر عند آل المقداد، وهي العشيرة الأكبر هناك». ولذلك، كان الخيار بترك الأمر للخيار العائلي.
وينسحب هذا الأمر أيضاً على بلدة بدنايل، إذ لم تصل النقاشات إلى توحيد العائلات في لائحة واحدة، بسبب الخلاف على «المداورة». إذ رفضت بعض العائلات تشكيل رئيس البلدية السابق، علي سليمان لائحة انطلاقاً من أنه «رئيس لدورتين متتاليتين ومن حق عائلات أخرى أن تتمثل»، وعملت على تشكيل لائحة مواجهة تضم أعضاء كانوا إلى جانب سليمان سابقاً، وهو ما يحيل إلى معركة عائلية محلية مفترضة في البلدة.
في آخر المعارك، تأتي دورس. وخصوصية تلك المنطقة أنها مختلطة، ويشكّل فيها المسيحيون ما لا يقل عن 1300 صوت، يٌضاف إليهم رقم مماثل من الشيعة وأقل من 1000 صوت من الناخبين السنة.
في السبب المعلن للمعركة، تشير المصادر إلى «شعور أحد أعضاء البلدية السابقين بالغبن بسبب ما اعتبره خديعة تعرض لها من المجلس السابق، إذ لم يتم انتخابه رئيساً للبلدية لثلاث سنوات كما جرى الاتفاق، متهماً الثنائي بنقض العهد». ولذلك، عمل على تشكيل لائحة برئاسته. ورغم أن التحالفات في دورس لم تحمل أي صبغة سياسية، على الأقل في العلن، إلا أنه بات ملموساً أن اللائحة المواجهة للائحة الثنائي التي شكّلت من العائلات والمستقلين أو المقربين من التيار الوطني الحر، «تضمّ بشكلٍ مضمر كل من له خصومة أو تباين آراء مع حزب الله».
وما يعزّز هذه المعركة هو محاولة «لائحة العائلات» استمالة الصوت المسيحي عبر تشكيل لائحة تضمّ 8 مرشحين مسيحيين و4 شيعة و3 سنّة، في مقابل لائحة «تنمية ووفاء» التي تضمّ 6 مرشحين شيعة و5 مسيحيين و4 سنّة. لماذا هي معركة؟ لأنها بالمضمر «مبلولة بالسياسة»، هذا ما يقال، واستناداً إلى تجارب سابقة، ثمّة أرجحية لتحالف الثنائي بسبب الثقل الانتخابي للصوت الشيعي، وانطلاقاً من أن «الناخبين المسيحيين لا تتخطى نسبة الاقتراع لديهم في أحسن حالاتها الـ30%، نظراً إلى انخفاض عدد المقيمين في البلدة والذين لا تتجاوز أعدادهم الـ10%».
الهرمل: معركة غير متكافئة
في الهرمل (21 عضواً)، في أقصى البقاع الشمالي، أُقفلت الترشيحات على لائحتين، «وفاء وتنمية» المدعومة من الثنائي، و«الهرمل للجميع» غير المكتملة والمؤلفة من بعض الناشطين المدعومين من علي صبري حمادة، نجل رئيس مجلس النواب الأسبق، والذي اعتاد في الاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية في السنوات الأخيرة، دعم لوائح ضد الثنائي من دون أن يصيب نجاحاً.
وقد حرص الثنائي في هذه الانتخابات على تغيير كل أعضاء المجلس السابق، والابتعاد عن الخيار الحزبي، واختيار مرشحين بالتوافق مع العائلات من أصحاب الكفاءات، فيما لا تبدو اللائحة المنافسة قادرة على إحداث أي خرق، خصوصاً بعدما قرّر الحزب السوري القومي الاجتماعي عدم الانضواء فيها إثر فشل التوافق بينه وبين الثنائي على حصة الحزب في المجلس. وعليه، قرر القوميون البقاء خارج المعركة مع توجه لديهم إلى الاقتراع للائحة خاصة يختارونها من اللائحتين. ولا يبدو من خلال الحركة الميدانية حتى الآن أن حزب الله وأمل قرّرا تشغيل ماكينتهما الانتخابية بكل قوتها بسبب عدم التكافؤ بين اللائحتين في المدينة التي أطلق عليها الشهيد السيد حسن نصرالله لقب «مدينة الشهداء».