تصفيرٌ، نفسٌ عميق، ومن ثمّ سؤال «ليش هالغلاء، شو عم نشتري ذهب؟» سؤالٌ تلقّاه بائع خضار من امرأةٍ تراود المحلّ اسبوعيّاً. ليست وحدها من عاينت الغلاء والتلاعب بالأسعار، إنما هذه حال الكثير من اللبنانيين الذين يطرحون السؤال عينه بقوالبَ مختلفة.
ما سبب ارتفاع الأسعار الجنوني للمنتجات الزراعية؟ هل من يراقب التسعيرات؟ وإلى متى سيتحمّل اللبناني كلّ تلك الأعباء؟
السوقُ اللبناني يشهد ارتفاعاً جنونيّاً بأسعار المنتجات الغذائية عموماً والخضار والفاكهة بشكلٍ خاص. جولةٌ على بعض المحال تكفي لرصد السيناريو الكارثي الذي يعاني منه اللبناني.
سعر كيلو البطاطا على سبيل المثال 3000 ليرة، كيلو البندورة 6000، كيلو الحامض 7000 كيلو الخيار 5000، واللائحة تطول وتطول.
الأسعار نار… والسبب؟
السبب وراء ارتفاع الأسعار الجنوني يبرِّره ابراهيم الترشيشي رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع: «انّ ارتفاع الأسعار مرتبط بالدولار، كون المزارع اللبناني يشتري كافّة البضاعة من اسمدة، أدوية وبذور بالعملة الأجنبيّة مما جعل الكلفة لدى المزارع مرتفعة. لذلك بات هناك هوّة بين كلفة الإنتاج وقدرة المستهلك لشراء المنتج». وأيضاً قلّة الدعم على المستلزمات الزراعيّة هو سبب لارتفاع الأسعار فيضيف ترشيشي:» الدعم لم يكن صحيحاً اذ كان يركّز على تقليل كلفة الإنتاج المستورد كالشعير، القمح، الذرة، الفاصوليا، الحمّص والعدس. وذلك لا يشجّع المزارع انّما يقضي على هذه الزّراعات، بينما يجب ان يركّز على دعم البذور، الأسمدة والأدوية. «الخطأ هو بطريقة الدعم، وبصرف الأموال التي لا تحصى ومن دون اي رقابة، وحدها «المافيات» من تستفيد منه».
رقابة حدِّث ولا حرج! والقطاع الزراعي من سيىء إلى أسوأ
كعادتها الدولة تقف عاجزة عن اتخاذ اي إجراء للتخفيف عن المواطنين وهذا كلّه وجرس الإنذار لم يدقّ بعد.في هذا السياق يوضح الدكتور زهير برّو رئيس حماية المستهلك انّ : «الإرتفاع بالأسعار هو بحدود مرّتين ونصف، ولا يخضع السوق اللبناني لأي رقابة جدّيّة من قبل وزارة الإقتصاد والزراعة، ونأمل مع انخفاض الدولار ان ينعكس الأمر على اسعار المنتجات، لكن طالما الأسعار ارتفعت من الصعب ان تعود إلى ما كانت عليه سابقاً».
تلك العوامل جعلت قطاع الزراعة الذي كان يستند عليه الاقتصاد اللبناني يتراجع بنحو 60%. والإنتاج لا يغطي سوى 40% من حاجة السوق المحلية. يؤكّد الترشيشي انّ «أكثر من 50% من المزارعين هجروا الزراعة لأنّهم خسروا رأسمالهم وقسمٌ قليل لا يزال يستثمر في أرضه».
التّصدير سبب الغلاء؟
«يخطئ كلّ من يظنّ انّ التّصدير هو سبب ارتفاع الأسعار»، اذ ان التصدير يقوم فقط على اصناف موجودة بكثرة في لبنان كالعنب، التفاح، البطاطا، البصل والدرّاق يؤكّد ترشيشي.
هذه حال الكثير من المزارعين الذين لجأوا للتصدير هربا من الخسائر والربح بات مضمونًا.
فالسوق لا يتأثّر بالتّصدير والأصناف التي تزداد أسعارها لا تُصدّر. اذ انّ المزارع لا يُصدّر حمضيّات أو بندورة، لوبية، او باذنجان…
المعاناة تقع على المواطنين، المزارعين وأصحاب محلات الخضار أيضاً.فالقطاع الزراعي بالاساس محروم ويقع في آخر سلّم اولويات الدولة. «نحن كالزبون، غلاء الاسعار يقع علينا أيضاً. مع ارتفاع الدولار نتأثّربشكلٍ مباشر فنضطّر الى رفع الأسعارلزيادة هامش ربحنا، ناهيك عن أسعار اجارات المحال التي نتكبّدها أيضاً» يؤكّد صاحب محلّ خضار.
ومن جهته يتأمّل الترشيشي مع تشكيل الحكومة الجديدة ان يكون هناك وجوه ملمّة بالزراعة، من أصحاب الإختصاص ويشير ان الفرق شاسع بين وزارة الزراعة والإقتصاد. اذ وزارة الزراعة عليها دعم المزارعين، تقوية القطاع الزراعي وتخفيف الكلفة. في حين وزارة الإقتصاد عليها تخفيف الأسعار والأعباء عن المستهلك بشكلٍ يضمن التوازن بين المزارعين والمستهلكين.
«إلى متى؟» سؤالٌ لطالما سأله المواطن اللبناني وعجز عن ايجاد جوابٍ لهُ. يرجّح الترشيشي ان الوضع سيستمرّ لسنتين قادمتين لحين ما تتمكن الدولة من القيام بالإصلاحات فإمّا تخفيض سعر صرف الدولار لتخفيض الهوّة بين المزارع والمستهلك إمّا رفع دخل الفرد والأجور.
كلّ هذا ولم يُرفع الدعم بعد. ففي مسلسل مآسي اللبنانيين، هل من سيناريو أسوأ بانتظارهم؟!
سابين الاشقر