أخبار عصفورةالرئيسية

القضية أكبر من تفجير مرفأ….الحرب مستمرة

الكاتب: سامي كليب - مؤسس ورئيس تحرير موقع خمس نجوم السياسي الفكري

بعد فرض “قانون قيصر” على سورية، تم احراق محاصيل القمح في المناطق الشرقية لتضييق الخناق على المناطق المؤيدة للقيادة السورية الحالية وارتفعت وتيرة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية بذريعة ضرب مواقع ايران وحزب الله، وحين تم “تفجير” مرفأ بيروت دُمّرت اهراءات القمح في لحظة نادرة من الجوع والفقر في لبنان وسارع البعض الى تسليط الاتهامات ضد الحزب ، بينما كانت البوالين الحارقة من غزة صوب المستعمرات الإسرائيلية ترفع درجة الاستعداد الإسرائيلي لشن حرب جديدة على القطاع، وذلك فيما كانت أميركا تمارس أقصى درجات الضغط لتمرير قانون يمدد منع ايران من استيراد او بيع الأسلحة، وتُرسل وفدا رفيعا الى تايوان لإثارة الصين. أما موسكو فكثفت في الأيام القليلة الماضية تحذيرها من التدخل الدولي في لبنان والتشديد على ضرورة ان يحل اللبنانيون مشاكلهم بأنفسهم مع تأييد واضح لعودة سعد الحريري رئيسا للحكومة.

قد تكون كل هذه الأحداث صُدفةً للناظرين الى إسرائيل على أنها باتت حمامة سلام وعلى أن داعميها لا يريدون الا الخير والسلام والحريات والرفاهية لمنطقة الشرق الاوسط . لكن حتماً هذه الاحداث مترابطة بشكل وثيق، في سياق معركة حامية الوطيس بين أكثر من محور.

قد يجد المحقّقون وقد لا يجدون أسباب تفجير مرفأ بيروت. فالإهمال والفساد القاتلان المُمثلان بترك هذه الكميات الكبيرة من نيترات الامونيوم قرب مواد قابلة للاحتراق او التفجير في المرفأ، جريمة مكتملة، لكن السؤال سيبقى في ذهن أجيال كثيرة وللتاريخ :” مَّن فجّر”، وعلى الأرجح لن نجد جوابا.

أما الجواب الواضح للعيان فهو حول السؤال التالي : ” مَن المُستفيد؟” .

· المُستفيد الأول هي إسرائيل. فالانفجار سمح لخصوم الحزب في لبنان بتعزيز الشكوك حول مخابئ سلاحه ومسؤوليته في ما حصل. وذهبت القيادة الإسرائيلية ممثلة برئيس الحكومة ووزير الخارجية الى حد تحذير لبنان من مخابئ أخرى لسلاح الحزب قد تؤدي الى انفجارات مماثلة. ثم جاءت الضربة المؤلمة للحزب بسقوط حكومة د.حسان دياب، وها هي الدول جميعا الى يُشكك الحزب بدورها حياله تأتي الى لبنان من بواباته الواسعة.

· المُستفيد الثاني هي الولايات المتحدة الاميركية، فبعدما تبين ان العقوبات والحصار الاقتصادي أثرا على خصوم الحزب في لبنان من قطاعات شعبية وسياسية ومالية اكثر مما اثرت عليه لكونه ما زال يقبض بالدولار، جاء التفجير، ليعد تشكيل المشهد السياسي في لبنان، فانتعش الخصوم، بحيث هاجمه بعضهم، واستقال البعض الآخر، وذهب سمير جعجع قائد القوات اللبنانية الى المطالبة بإسقاط مجلس النواب، يقينا منه بأن أي انتخابات مقبلة ستُسقط الذراع السياسية لعهد الرئيس ميشال عون، أي التيار الوطني الحر، وتُفقد الحزب وحلفاؤه الاغلبية المُريحة، ويُصبح هو سيد الساحة المسيحية بلا منازع في طريق الرئاسة.

ساذجٌ من يظُن انه في هذه اللحظة العاطفية الدولية والعربية حيال لبنان، غيّرت واشنطن أولوياتها. وساذج من يعتقد ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يمكن ان ينجح في لبنان اذا ما عارضت سياسته السياسة الأميركية. كلُّ ما في الأمر هو أن واشنطن تحاول تغيير الأسلوب قليلا والإفادة مما حصل في نكبة بيروت، لرفع مستوى تطويق الحزب وايران وسورية وكل من يؤيدهم. وها هي صحيفة وول ستريت جورنال تتحدث عن عقوبات قريبة قد تطالب مسؤولين كبار من جبران باسيل الى مقربين من سعد الحريري نفسه مرورا طبعا بحركة أمل ورئيسها.

ما هي أولويات أميركا ؟

· منعُ الصين وروسيا وايران من التمدد أكثر في مناطق كانت تعتبرها أقرب الى أميركا.

· الحؤول دون قدرة ايران على بيع او استيراد أسلحة، وهذه معركة شرسة تدور رحاها حاليا في مجلس الأمن ويحاول الأوروبيون التخفيف منها .

· الاستمرار في الخنق الاقتصادي لإيران وحزب الله وسورية، والسعي لعزل لبنان عن المحور وعن أي توجه صوب الشرق.

· ابعاد حزب الله عن التأثير على الحكومة والقرارات الاستراتيجية في لبنان والاطاحة بالأغلبية النيابية المؤدية له ، وذلك من خلال تكثيف الضغوط لتشكيل حكومة تستطيع أن تكون مستقلة الى حد كبير عنه، ويتم تسهيل المساعدات لها تحت شعار المال مقابل الإصلاحات.

· تشجيع انتشار وتوسيع دور المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية ، بحيث تُصبح مثلا منظمة مثل USAID أهم من أكبر وزارة.

· ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل بشروط تميل أكثر لمصالح إسرائيل التي بدأت منذ فترة طويلة باستخراج النفط والغاز، فيما لبنان ما زال ، بسبب فساد طبقته السياسية، يناقش هل البيضة جاءت قبل الدجاجة ام العكس.

· ولعل الهدف الأسمى، هو القضاء نهائيا على حزب الله بعد اضعافه في الداخل، ثم شن حرب عسكرية واسعة ضده. فتفجير المرفأ اعطى صورة واضحة عن حجم الدمار الممكن في حال الحرب.

 

من يسمع حذر الإيرانيين حيال الحضور الدولي والعربي لإغاثة لبنان حاليا، ومن يسمع كلام الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه امس امام مجلس النواب السوري الجديد حول أميركا ودورها، ومن سيسمع ما سيقوله امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على الأرجح غدا الجمعة، يُدرك لو اضافه الى تنامي التوتر بين الصين وروسيا وأميركا، ان لبنان امام مخاطر كبيرة، وانه استعاد دوره بامتياز كساحة لتصفية الحسابات، تماما كما قد يكون مساحة للصفقات.

أميركا وبريطانيا اجتاحتا العراق بعد الاعتداءات الإرهابية على برجي التجارة العالميين في نيويورك عام ٢٠٠١، وجاء وزير الخارجية الأميركية كولن بأول حاملا تهديدات واضحة لسورية بتدميرها، واغراءات بان يصبح الأسد سيد اللعبة في الشرق الأوسط اذا ما طرد المنظمات الفلسطينية وقطع علاقاته مع ايران وحزب الله، وذلك رغم ان العراق وسورية لم يكن لهما أي علاقة بتلك التفجيرات التي ما زالت التحقيقات حتى اليوم حولها لم تكتمل. وكذلك اجتاحت اميركا أفغانستان لضرب من كانوا حتى الامس القريب بالنسبة لها طلاب حرية حين كانوا يقاتلون السوفيات ( أي طالبان).

ساذج من يعتقد ان تفجير مرفأ بيروت، سيمر مرور الكرام، فهو الى حد ما يُشبه تفجيرات نيويورك. واذا كنا لم ولن نعرف من فجّره، فسوف نرى حتما تأثيره قريبا في هذا الصراع الكبير بين محورين. عسى ان لا يكون لبنان الضحية. فعصر الصفقات على ما يبدو لم ينضج بعد.

للإطلاع على المقال في موقع 5 نجوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!