لمن خانتهم الذاكرة.. هذا بعض من تاريخ الموحدين الدروز القومي والعروبي والنضالي
خاص دايلي ليبانون

برزت مؤخراً محاولات متعمدة للتشويش على دور طائفة الموحدين الدروز سواء في فلسطين المحتلة او في لبنان وسوريا، وتصويرها في غير موقعها الطبيعي الى جانب فلسطين والمقاومة، وكذلك الأمر في السويداء من خلال حرف الحراك الشعبي المطلبي الى عناوين وشعارات سياسية، لكن مع إندلاع معركة طوفان الأقصى تعمّد بعض الإعلام ان يسيء الى دور أبناء طائفة الموحدين الدروز دون ان يدركوا حجم الضغوط التي تمارس عليهم على أرض الواقع، لكن هذا لا يغير من حقيقة التاريخ والجغرافيا والدور المشرف الذي لعبه الموحدون الدروز على مر التاريخ في تحقيق الإستقلال والمشاركة في معارك التحرير.
بالطبع لا يختلف إثنان على الدور الوطني والموقع القومي والعروبي لطائفة الموحدين الدروز على مر التاريخ، وعلى إمتداد جغرافيا تواجدهم في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة والاردن، فهم عرفوا بـ”حماة الثغور” حيث أنيطت بهم مهام حماية المناطق التي كانوا يتواجدون فيها للدفاع عنها من الغزوات، فأبناء طائفة الموحدين الدروز أصحاب نضال بالسيف والكلمة والموقف.
من معركة بلعا الى إنتصار المالكية
وبعيداً عن محاولات التشويش على دورهم وموقعهم لم يكن الموحدون الدروز يوماً خارج إطارهم العروبي والقومي لا سيما على صعيد القضية المركزية فلسطين، فهم في طليعة المدافعين عن الارض والعرض، فحسين البنا من بلدة شارون قضاء عاليه وكان ينتمي للحزب السوري القومي الإجتماعي هو أول شهيد على أرض فلسطين، حيث ذهب للقتال والدفاع عنها وإستشهد على أرضها وذلك بتاريخ 23 – 24 أيلول 1936 في معركة بلعا (نابلس).
وفي معركة المالكية في العام 1948 كان وزير الدفاع اللبناني آنذاك الأمير مجيد أرسلان في الخطوط الأمامية في معركة الدفاع عن فلسطين، حيث نجح الجيش اللبناني بتحقيق النصر على العصابات الصهيونية حينها، وكان أرسلان صاحب الموقف التاريخي في العام 1936 عندما عارض قرار الحكومة القاضي بالمشاركة “بمعرض تل أبيب للمنتوجات الزراعيّة” تعبيراً عن رفض الإعتراف بالعدو الصهيوني على أرض فلسطين.
من جبل العرب الى فلسطين المحتلة
وبالطبع كان أبناء طائفة الموحدين الدروز في جبل العرب في طليعة المدافعين عن فلسطين وأرضها حيث إرتقى
مئات الشهداء على أرضها بين عامي 1936 و1948 في مواجهة الاحتلالين الإنكليزي والصهيوني، حيث شاركت طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سورية بتلك الملاحم المشرفة، بكتيبة تعدادها قرابة ألف مقاتل تسمى كتيبة ” جبل العرب ” الذي كان يترأسها المغفور له اللواء المجاهد أبو غالب زيد الأطرش شقيق قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له سلطان باشا الأطرش، حيث كان معسكر تدريبها في ” بلدة خلخلة ” في جبل العرب قرب العاصمة دمشق، وتوجهت هذه الكتيبة مع الحملة العسكرية العربية لتحرير فلسطين عام 1948 وتقدمت من ناحية الجولان السوري المحتل حيث عبرت بحيرة طبريا ووصلت إلى الصخرة المشرفة بمسجد قبة الصخرة ، في المسجد الأقصى المبارك، وارتقى عدد من الشهداء حيث لا تزال جثامينهم هؤلاء المجاهدين مدفونة في تراب فلسطين المقدس، ومن بين هؤلاء على سبيل المقال لا الحصر
الثائر المجاهد الكبير ” جادالله محمد مفرج ” الذي شارك أيضاً مع سلطان باشا الأطرش في معارك دحر الإستعمار الفرنسي عن سوريا في ثورة عام 1925 ، والمغفور له المجاهد رشيد سراي الدين ، الذين استشهدا كليهما في تل العزيزات بالجولان السوري المحتل ، أثناء اقتحام مجاهدي كتيبة جبل العرب حصون الصهاينة وكان أيضاً من المشاركين أيضاً في معركة الكرامة والشرف لتحرير فلسطين المشايخ الأجلاء المجاهدين ، المجاهد الثأر ” معذى جانبيه ” ، والمجاهد الثأر ” توفيق حاتم ” ، والمجاهد الثأر ” سعيد عزي ” ، والمجاهد الثأر ” سعيد مشرف رضوان ” ، والمجاهد الثأر ” سلامة سعيد نعيم ” ، والمجاهد الثأر ” أبو نمر غالب أنيس نعيم ” ، والمجاهد الثأر ” أبو برجس سلمان سعيد نعيم ” ، والمجاهد الثأر ” أبو حسن سليمان كمال الدين ” ، والمجاهد الثأر ” نجيب أبو حمدان ” ، والمجاهد الثأر ” سلامة رشيد ” والشهيد فندي الشعراني، الشهيد علي الحناوي، الشهيد فايز الجرمقاني، الشهيد خزاعي الفارس، الشهيد سليمان الملحم نصر، الشهيد يوسف الطويل، وغيرهم العشرات.
وعندما نتكلم عن تاريخ طائفة الموحدين الدروز العروبي والقومي فإننا نستذكر ثلة من الأسماء التي لعبت دورا حاسما في كتابة تاريخ بني معروف الناصع على إمتداد مناطق تواجدهم، وللتاريخ نذكر إن أول رئيس للحكومة في الاردن هو رشيد طليع من طائفة الموحدين الدروز الذي ناضل من أجل أمته ووطنه واستشهد وهو يسعى نحو تحقيق الحلم العربي، وأيضاً أول قائد للجيش الأردني هو فؤاد سليم وأول رئيس للديوان الأميري وهو من طائفة الموحدين الدروز، وفي جبل العرب نذكر الى جانب سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى، المناضل شكيب وهّاب من بلدة غريفة الشوفية والذي إنتقل الى السويداء وأصبح قائد إحدى المجموعات التي واجهت الفرنسيين في جبل العرب ولبنان والاردن، وفي أواخر آذار 1948 قاد شكيب وهّاب كتيبة محاربين إلى فلسطين استجابةً لطلب قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي، ليخوض معركة الهوشة والكساير.
بين الجبهة الوطنية وعمليات جبهة المقاومة
أما قائد الجبهة الوطنية كمال جنبلاط فلم يكن إلا في طليعة الداعمين لفلسطين وقضيتها وهو الذي إرتدى كوفيتها وأيد القضية الفلسطينية، وكانت مواقفه السياسية منذ العام 1956، حيث أعلن وقوفه الى جانب مصر التي تعرضت للعدوان الثلاثي آنذاك، وعندما وقعت حرب حزيران 1967، وقف جنبلاط إلى جانب مصر وسوريا والأردن وكان موقفه المؤيّد لفلسطين، وفي عام 1973 انتخب أمينا عاما للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية.
وبعد الإجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982 ومع إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كان الجبل حاضراً عبر بيئته الدرزية ضمن القوى اليسارية في التصدي للعدو الإسرائيلي فكان فتى الجبل وجدي الصايغ من بلدة شارون في طليعة منفذي العمليات الإستشهادية التي نفذها الحزب السوري القومي الاجتماعي ضد العدو، الى جانب ثلة من الاستشهاديين ومن بينهم إبتسام حرب من الشوف وفدوى غانم من السويداء، وعدد من القادة العسكريين ومن أبرزهم الشهيد عاطف الدنف من بلدة بعلشميه منفذ عملية الفرار الكبير من معتقل أنصار.
وكذلك كان عدد من أبناء الجبل منخرطين ضمن صفوف الحزب الشيوعي اللبناني ومن أبرزهم الشهيدة إنعام حمزة إبنة بلدة عبيه التي قاتلت خلال الحرب في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني وشاركت في العديد من العمليات ضد العدو واستشهدت في عملية تلة السدانة في شبعا عام 1990.
وقبل تحرير جنوب لبنان (25 أيار 2000) بأشهر قليلة كان الشهيد يوسف مزهر إبن بلدة حاصبيا يروي بدمه أرض الجنوب، حيث إرتقى في أيلول من العام 1999 في مواجهة إبل السقي، حيث كان منخرطاً في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، كذلك كانت لأبناء طائفة الموحدين الدروز مواقف مشرفة في الدفاع عن المسجد الاقصى بوحه الإقتحامات الصهيونية، رغم التضييق الذي يتعرضون له من قبل سلطات الإحتلال.
عميد الأسرى.. من فلسطين الى فلسطين
وكان الجبل حاضرا في مواجهةا لعدو الإسرائيلي عبر عميد الأسرى الشهيد سمير القنطار الذي نفذ عملية مع مجموعة من عناصر جبهة التحرير الفلسطينية عملية في نهاريا بعدما نجحوا في الوصول الى فلسطين المحتلة عبر زورق مطاطي، واعتقل القنطار قبل ان يتم إطلاق سراحه بعد عملية الوعد الصادق التي قامت بها المقاومة في تموز 2006، واستشهد لاحقا بغارة إسرائيلية إستهدفته في سوريا، وكانت عبارته الشهيرة يوم تحريره أنه لم يخرج من فلسطين الا كي يعود الى فلسطين.
المقاومة السرية في الجولان
وبالامس القريب كانت هبة ابناء طائفة الموحدين في الجولان المحتل بوجه محاولات الاحتلال السيطرة على أراضيهم بذريعة مشروع المراوح، ما استدعى إنتفاضة درزية في الداخل الفلسطيني المحتل وفي لبنان أيضاً حيث شهدت المنطقة الحدودية في حاصبيا تجمعات لابناء الطائفة التوحيدية، في دليل على الرابط القومي والعروبي الذي يجمع ابناء طائفة الموحدين على امتداد مناطق تواجدهم حتى تلك الواقعة تحت سلطة الاحتلال في الداخل الفلسطيني او ما يعرف بأراضي الـ 48.
وعند الحديث عند الجولان السوري المحتل لا بد ان نذكر مؤسس حركة المقاومة السرية في الجولان السوري المحتل الأسير الشهيد سيطان الولي الذي أسس الحركة في عام 1983 مع الأسير صدقي المقت والأسير عاصم الولي والأسيرين المحررين مازن ابو جبل وخير الدين الحلبي ، وضمت لاحقا عددا اخر من المناضلين امثال بشر المقت، هايل ابو زيد، عبد اللطيف الشاعر وآخرين، وكان للحركة دور بارز في زراعة الألغام واستهداف جنود العدو.
وأعادت قوات الإحتلال الإسرائيلي إعتقال الأسير السوري المحرر صدقي سليمان المقت في تشرين الاول الفائت من منزله في الجولان المحتل في بلدة مجدل شمس واقتادته إلى مكان مجهول.
والمقت هو عميد الأسرى السوريين كونه أقدم أسير سوري تم اعتقاله في 23 أيار عام 1985، وتم الإفراج عنه في آب 2012 بعد 27 عاما قضاها في سجون العدو الإسرائيلي، وأعاد اعتقاله في 25 شباط 2015 بعدما اتهم بتوثيق تعاون جيش الاحتلال الإسرائيلي مع عناصر من “جبهة النصرة”.
أهالي السويداء.. تأكيد على عمق االإنتماء الوطني
وقبل عدة أسابيع برزت في محافطة السويداء السورية ذات الغالبية الدرزية حركة مطلبية معيشية ترتبط بما تتعرض له سوريا من حصار على خلفية قانون قيصر الأميركي والاحتلال التركي لأجزاء من مناطق الشمال حيث حقول الغاز ومصافي البترول، وفي وقت تعتبر المطالب الشعبية التي نادت بها مجموعات من أبناء السويداء محقة وهي تعبّر عن وجع مختلف أبناء الشعب السوري، لكن سرعان ما تم إستثمار هذه الحركة وتوظيفها في إطار سياسي بعيداً عن المطالب الشعبية، وهذا الأمر سرعان ما أدركه أهالي السويداء ومرجعياتها الدينية، التي أكدت أن المطالب هي تحت سقف الدولة مع التأكيد على وحدة الأرض والجغرافيا، ما شكل ضربة قاضية لكل الذين حاولوا إستغلال الحراك المطلبي وحرفه عن مساره الحقيقي، عبر الدعوة الى إدارة ذاتية والإنفصال عن الدولة المركزية، وكان موقف المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ، والنداء الذي وجهه الى أبناء طائفة الموحدن للحفاظ على الوحدة الوطنية ورفض الإنجرار الى مشاريع التقسيم، الدور الأساسي في حفظ دماء أبناء أهالي السويداء ومنع أي إقتتال داخلي، والذي تلاقى مع الخطاب الوطني الجامع للمرجعيات الروحية في السويداء، وأعاد التذكير بكوكبة المشايخ المغفور لهم وهم: الشيخ أبو حسين ابراهيم الهجري ، والشيخ أبو علي قسّام الحناوي، والشيخ أبو يوسف حسن جربوع ، رضي الله عنهم وغيرهم كثر من هذه الكوكبة من الرجال المعروفيين الذين دافعوا عن كرامة الأمة العربية والإسلامية ووحدتها.
طوفان الأقصى والموقف الحاسم
ومؤخراً وبعد إنطلاق عملية طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة سعت بعض الجهات الى تسليط الضوء على دور أبناء طائفة الموحدين الدروز، للإيحاء بأنهم يشاركون ضمن قوات جيش الإحتلال الإسرائيلي في العدوان على غزة، في محاولة مكشوفة للتحريض على طائفة الموحدين وبث الفتنة بينهم وبين باقي مكونات الشعب الفلسطيني، ويبدو واضحا أن جهات تابعة لكيان الإحتلال بطريقة أو بأخرى، هي من تسعى الى تشويه صورة أبناء طائفة الموحدين الدروز في الداخل المحتل، خصوصا وانه يتم التركيز على الدروز فقط علما انه يوجد بدو وشركس ومسيحيين أيضا ضمن قوات جيش الإحتلال فلماذا يتم التركيز على الموحدين الدروز فقط؟ ولعل هذا ما يكشف حقيقة المخطط الهادف الى تشويه صورة أبناء طائفة الموحدين وتاريخهم العروبي والقومي المشرف على مر العصور.
أبواب الجبل مفتوحة أمام أبناء الجنوب والضاحية
وفي لبنان أيضا ليس خافيا وجود محاولات يتم تسريب بعضها في الإعلام للإيحاء بأن أبناء طائفة الموحدين الدروز يحرضون على المقاومة وبيئتها، رغم ان المواقف الصادرة عن القيادات السياسية وفي مقدمها موقف النائب السابق وليد جنبلاط، الى جانب موقف النائب السابق طلال أرسلان، والوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود وباقي القيادات السياسية الدرزية، كانت واضحة وحاسمة في الوقوف الى جانب المقاومة بأي حرب تفرض على لبنان، والإعلان أن أبواب الجبل مفتوحة أمام أهلنا من أبناء الجنوب والضاحية.وفي السياق عينه جاء موقف شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى قبل أيام حيث وجّه التحية للشعب الفلسطيني وصموده ولاهل جنوبنا الصامد وللمقاومين الابطال، وقال في كلمة القاها في قصر الاونيسكو: “التحية للشعب الفلسطيني بأكمله الذي كان وسيبقى رمزا للصمود والتعلّق بالأرض وبالحق المقدس بالرغم من وحشية العدوان واستمراره ومن فظاعة الجريمة وتمادي المجرمين”.
واضاف: “والتحيّة للمقاومين الأبطال ولأهلنا في الجنوب الذين يواجهون بصمودهم المعتاد استكبار العدو الصهيوني واعتداءاته المتكررة على لبنان، ويتحملون العبء الأكبر من المواجهة في سبيل سيادة الوطن وكرامة الارض”.
البوصلة محددة
هذه المواقف مجتمعة تأتي خلافا لكل المحاولات الخبيثة للتشويش على دور الدروز وتاريخهم وإستذكار المحطات المؤلمة ومحاكاة الغرائز على حساب لغة العقل، لكن التجارب أثبتت أن أبناء طائفة الموحدين يسامحون ولا يضمرون الشر لشركائهم في الوطن، ولعل طي صفحة حرب الجبل الأليمة في لبنان خير دليل على ذلك، وهذا يشكل أفضل رد على كل من يحاول الإصطياد في الماء العكر والتشويش على أبناء طائفة الموحدين الدروز، وأخذهم الى غير موقعهم العروبي والقومي والوطني والنضالي، لا سيما في المحطات المفصلية التي تتطلب مواقف حازمة تكون بحجم الحدث، فكيف إذا كانت فلسطين هي العنوان والجنوب وأهله في عين العاصفة، فأبناء طائفة الموحدين يدركون جيداً إتجاه البوصلة، ولن تنجح محاولات جرّهم الى غير موقعهم الطبيعي.