اخبار محلية

الانتخابات اللبنانية في ميزان التغيير

رفعت البدوي

فُتح باب قسم تقديم الأوراق المعتمدة ودفع الرسوم المحدّدة، للبدء في تسجيل الأسماء بوزارة الداخلية اللبنانية وذلك لاستقبال طلبات الترشح للانتخابات النيابية في لبنان، ضمن المهلة المحدّدة والمقرّر إجراؤها في شهر أيار 2018.

إذاً، الانتخابات النيابية صارت على الأبواب، والكلّ آخذ في الانشغال والبحث عن تطبيق التحالفات لإعداد اللوائح وإطلاق العمل اللوجستي للماكينات الانتخابية بهدف حشد وتجميع بلوكات الأصوات. وبالتزامن بدأنا نشهد العديد من المهرجانات الحاشدة التي يكثر فيها عادة الفقهاء بتقديم أفضل طبقات الصراخ من أصواتهم. يلقون بخطبهم الطنانة الرنانة المرفقة بوعود “التغيير” و”مكافحة الفساد” والمطالبة بـ”إلغاء الدولة الطائفية” والدعوة إلى بناء “الدولة المدنية”، مع علمنا سلفاً أنّ أياً من الأحزاب او المرشحين لا يمتلك القدرة على تحقيق أيّ شيء من وعودهم، تحديداً العناوين المتعلّقة بإلغاء الطائفية ومكافحة الفساد، خصوصاً في ظلّ اعتماد قانون انتخابي يكرّس الطائفية والمذهبية. بل اننا، وبضمير حيّ، نستطيع وصفه بقانون انتخابي سيّئ ولا يرتقي الى مستوى تأمين التمثيل الوطني الصحيح.

إنّ أيّ نتائج سيفرزها هذا القانون الانتخابي النسبي المعتمد حالياً، تعتبر بمثابة “مأسَسة” لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في لبنان، هذا إذا كنا من المؤمنين بالقاعدة الفقهية “ما بُني على باطل فهو باطل”.

نعم، نقول هذا الكلام ونؤمن به إيماناً مطلقاً، استناداً إلى الممارسة والخبرة التي اكتسبناها في محطات لبنانية عدة على مرّ تاريخ الأزمات التي عصفت بلبنان، كنتيجة طبيعية لإفرازات نتائج القوانين المتعاقبة التي اعتمدت لإجراء الانتخابات النيابية في لبنان.

انّ كلّ القوانين الانتخابية التي اعتمدت في لبنان لم تؤدّ الوظيفة المطلوبة منها، بل انها أوقعتنا في هوّة سحيقة من الفرقة والتباعد بين أبناء الوطن. وما زاد من الشقة والتباعد، أننا لم نأخذ العبرة والاستفادة من الأخطاء المتراكمة في معالجة لبّ المشكلة اللبنانية والتي هي آفة الطائفية والمذهبية الطاغية على مجتمعنا اللبناني، رغم “عمليات التجميل” التي تلجأ إليها بعض القوى والزعامات، ورغم نفي هذا البعض وتعمّده إخفاء الحقيقة.

كلّ القوانين الانتخابية التي تمّ اعتمادها لم تفِ بالمطلوب، ألا وهو الانصهار الوطني الحقيقي، بل على عكس المأمول، فإنّ نتائجها أفرزت قوى عزّزت الولاء للطائفة والمذهب، كما أنها أسهمت في تسعير اللغة الطائفية والاحتماء بالمذهب. كما أنها ضربت مفهوم الانصهار الوطني الحقيقي.

إنّ محاربة الفساد المستشري في مختلف مرافق الدولة يتطلب منّا جميعاً التجرّد من طوائفنا ومذاهبنا، ورفض ما يُفرض علينا من قوانين انتخابية تحمي الطائفيين وتعزّز الممارسة الطائفية والمذهبية، وعدم القبول بكلّ ما من شأنه الإبقاء على زعماء الطوائف الذين ما فتئوا يمارسون السلطة من منطلق طائفي مذهبي، واهمين الناس والمواطنين الطيبين بأنهم “حرّاس” الطائفة وحقوقها، ليصبحوا كسيف مصلت على رقابنا، متحكّمين بنا وبمستقبل أبنائنا وأجيالنا إلى ما شاء الله.

فالدعوة إلى التغيير من حكم الزعامات الطائفية والانتقال إلى بناء الدولة، يوجب علينا التطلع نحو الولاء للمصلحة الوطنية التي تسهم في حماية أجيال المجتمع اللبناني من التشرذم والتفكك، وجعلها مندفعة نحو ثقافة المواطنة التي تبني المجتمع والوطن على أسس سليمة بعيدة كلّ البعد عن الانتماء الطائفي، والتي تلغي مبدأ الاحتماء بالطائفة أو المذهب.

المطالبة بالتغيير بحاجة إلى قانون انتخابي قائم على النسبية الكاملة على مساحة الوطن، يمكننا من صنع كوة تخترق هذا الجدار الإسمنتي المحمي بجيوش الطائفيين، والنفاذ من خلالها نحو ثقافة مجتمع محصّن بالمواطن الوطني. عندها فقط نستطيع إنتاج مجلس نيابي بأعضاء ممثلين تمثيلاً وطنياً صحيحاً يمثلون كلّ بقعة من الوطن، ولا يولد نواباً يمثلون منطقة أو زاروب ضيق، بالمفهوم الطائفي أو المذهبي، وعندها أيضاً يكون الولاء للكفاءة والنزاهة وبالانتماء الوطني لكلّ الوطن.

نستغرب كيف لأحزاب وجمعيات وقوى سياسية ومجتمع مدني، جميعهم يطالبون بالتغيير والانصهار الوطني والتحوّل الى دولة علمانية مدنية بعيدة عن الطائفية والمذهبية واعتماد الكفاءة والنزاهة ومكافحة الفساد المستشري ومحاسبة المسؤولين، بينما هم أنفسهم جميعاً يتهافتون لتأليف لوائح انتخابية لخوض الانتخابات على أساس قانون انتخابي سيّئ، وهم أنفسهم الذين أقرّوا أنّ القانون المعتمد يعزّز الطائفية والمذهبية وبعيد كلّ البعد عن التقدّم نحو الانصهار الوطني، لأنه قانون انتخابي يهدف لمعرفة حجم المرشح في طائفته ومذهبه فقط وليس في وطنه.

بدلاً من المطالبة بالتغيير وإصلاح الدولة الطائفية واستبدالها بالدولة المدنية واعتماد الكفاءة ومحاربة الفساد والمطالبة بإلغاء الطائفية وضرورة الانصهار الوطني، كان الأجدى والأسلم أن يُصار الى إعلاء الصوت وإبراز طبقات أصوات المرشحين العالية برفض هذا القانون الذي فُصّل تفصيلاً على مقاس القوى السياسية القابضة على دولة الفساد. برفع الصوت والمطالبة باعتماد قانون انتخابي عصري أساسه النسبية الكاملة الصحيحة الذي يعتمد لبنان ـ كلّ لبنان ـ دائرة انتخابية واحده يؤمّن التمثيل الوطني الصحيح على مساحة الوطن وليس على مستوى الزاروب.

‏انّ المطالبة بتغيير نهج السلطة الطائفية والمذهبية في لبنان، لن يُكتب له النجاح والنفاذ نحو بناء دولة مدنية علمانية تحقق آمال ورغبات الشعب، في ظلّ اعتماد قانون انتخابي كهذا لا يحمل من النسبية إلا الاسم فقط، لأنّ اعتماد قانون انتخابي كهذا يكرّس الطائفية والمذهبية في لبنان إلى أجل غير مسمّى.

إنّ شرط النجاح بتغيير حقيقي وفعلي في النهج الطائفي والمذهبي المتّبع في لبنان، والولوج إلى بناء دولة وطنية تعتمد الانتماء الوطني الحقيقي خارج هيمنة الزعامات والهامات المستنهضة والمسعّرة للعصب الطائفي والمذهبي، هو إقرار قانون انتخابي قائم على مبدأ النسبية الحقيقية ويعتمد كلّ لبنان دائرة انتخابية واحدة، أو اعتماد المحافظات الخمس الكبرى كدوائر انتخابية في حال تعذّر اعتماد الدائرة الواحدة.

ان المشكلة اليوم باتت تكمن في القوى المطالبة بانتهاج التغيير، لأنها أضحت ساعية للوصول الى السلطة ومن ثم الانخراط في طبقة الفساد والإفساد، من دون تحقيق ايّ اختراق أو إصلاح فعلي للنظام السائد، لأنّ أيّ تغيير حقيقي يبدأ من محاربة الفساد الطائفي الذي يشكل العائق الأساسي أمام بناء الدولة الوطنية الحقيقية.

انّ سرّ نجاح الولوج في بناء الدولة الوطنية الحقيقية، يكمن بإزالة كلّ آثار الحرب اللبنانية، وإنهاء صلاحية رموزها وممارساتها الطائفية والمذهبية من السلطة.

“الرقيب”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى